"وول ستريت" تعيد صياغة قواعد تداول "بتكوين"

"وول ستريت" تعيد صياغة قواعد تداول "بتكوين" -- Jul 30 , 2025 16

المصدر:بلومبرغ

تبسط "وول ستريت" سيطرتها على مركز ثقل "بتكوين". فبعد أن كانت أكبر عملة مشفرة في العالم من حيث القيمة السوقية تحت سيطرة منصات خارجية، وحماس مدفوع بالمستثمرين الأفراد، باتت تُسعّر وتوجّه من داخل النظام المالي الأميركي بشكل متزايد.

يُعيد المستثمرون الأفراد، وكذلك المؤسسات الاستثمارية بشكل متزايد، تشكيل طريقة تداول "بتكوين" عبر سوق سريعة النمو لعقود الخيارات المدرجة بالبورصة ترتبط بالصناديق المتداولة والمؤشرات، بدءاً من التحوطات التكتيكية ووصولاً إلى استراتيجيات التقلبات، ويحدث كل هذا دون التأثير على الأصل الداعم.

ما بدأ كتجربة خارجة عن النظام التقليدي بالنسبة لمؤيدي العملات المشفرة الأصليين، يعاد تشكيله ليناسب القواعد المالية التقليدية.

طفرة يُحدثها صندوق "بلاك روك" لبتكوين
في قلب هذه العملية يقبع صندوق "آي شيرز بتكوين ترست" (IBIT) "آي بي آي تي" اختصاراً، التابع لشركة "بلاك روك"، فهو أكبر صندوق "بتكوين" متداول حالياً بأصول تبلغ قيمتها 86 مليار دولار، كما حفّز سوق عقود الخيارات بالغة النشاط إلى درجة دفعت أطراف القطاع إلى حث الجهات التنظيمية على رفع الحد الأقصى للمراكز الاستثمارية.

زاد عدد العقود المفتوحة للخيارات المرتبطة بصندوق "آي بي آي تي" بأكثر من ثلاثة أضعاف منذ بداية العام إلى نحو 34 مليار دولار، وهو حجم يشير لتحول الصندوق إلى محرك أساسي لتسعير مخاطر العملات المشفرة.

وبلغ متوسط حجم التداول اليومي 4 مليارات دولار خلال التداولات الماضية، متجاوزاً الصناديق الكبرى في أسواق الائتمان والأسواق الناشئة. ولا يتفوق عليه في نشاط التداول إلا الصناديق المتداولة الأشد سيولة المرتبطة بالأسهم الأميركية، والذهب، والشركات صغيرة رأس المال.

قال روكي فيشمان، مؤسس شركة "أسيم 500" (Asym 500)، إنه من "النادر أن يطور صندوق متداول سوق خيارات بهذا الحجم، ناهيك عن حدوث ذلك بعد ثمانية أشهر من إطلاقه".

تُظهر الإفصاحات التنظيمية التي جمعتها "بلومبرغ" أن عدد المؤسسات التي تستثمر في "آي بي آي تي" زاد إلى الضعف تقريباً منذ نهاية العام الماضي، في إشارة إلى مدى سرعة دخول الأطراف التقليدية إلى السوق.

فالصندوق يحقق أداءً يفوق حجمه الحقيقي في سوق الخيارات، ويستحوذ على نصيب الأسد من نشاط التداول بين صناديق "بتكوين" المتداولة الأميركية، رغم أن ما في حيازته أعلى قليلاً من نصف إجمالي الأصول التي تحوزها مجموعة الصناديق. ويسلط ذلك الضوء على أن دوره أصبح محورياً في كيفية إدارة السوق للمخاطر.

تزايد الزخم من المؤسسات الاستثمارية
يشير تعاظم أهمية الصندوق إلى تحول في هيكل أسواق العملات المشفرة، يتمثل في الابتعاد عن المنصات الخارجية المدفوعة بالاستدانة، والاتجاه إلى الصميم المُنظَم للنظام المالي الأميركي. كما أن نموه يدعم دورة ذاتية مُعززة: السيولة تجلب الشرعية، ما سيؤدي إلى جذب المزيد من الاستثمارات.

قال كيفن دي باتول، الرئيس التنفيذي لصانعة السوق "كي روك" (Keyrock): "لم تتمكن عقود خيارات العملات المشفرة لفترة طويلة من اكتساب زخم من المؤسسات الاستثمارية، نظراً لتداولها على منصات خارجية. أما الآن، مع وجود الصناديق المتداولة الفورية وعقود الخيارات المُدرجة في البورصة الأميركية، أصبح لدى المؤسسات أخيراً نقطة لدخول السوق تتماشى مع استراتيجيتها".

بالنسبة للمستثمرين الذين طالما منعتهم المناطق الرمادية في القواعد التنظيمية من الاستثمار، يشكل ظهور أدوات محلية متوافقة مع القواعد تحولاً من الوصول الخامل إلى اتخاذ مراكز استثمارية نشطة، وسار التبني بوتيرة سريعة. وتعكس هذه الاستراتيجيات قواعد طالما استُخدمت في أسواق الأسهم والسندات، ما يجعل "بتكوين" مجرد صورة أخرى من المخاطر التي تجب إدارتها.

قال غريغ ماغاديني، مدير المشتقات لدى شركة "أمبرداتا" (Amberdata)، إن "هذا التدفق له تأثير طبيعي مثبط على التقلب، ويمنع حالات البيع عند الذعر".

وأضاف أن تقلص الفارق بين أسعار عقود الشراء والبيع في صندوق "آي بي آي تي"- حتى بعيداً عن موجات الارتفاع الكبيرة- يشير إلى تحول في السلوك. فبدلاً من سعي المتداولين الأفراد إلى المكاسب عبر الرهانات المتفائلة، يبدو أن عدداً أكبر من المستثمرين يستخدمون عقود البيع للتحوط من الخسائر، وهو نمط أكثر شيوعاً في استراتيجيات المؤسسات الاستثمارية.

في الوقت نفسه، تتغير الطبيعة الجغرافية لتحديد الأسعار، فبحسب شركة "كايكو" (Kaiko)، فإن نسبة عمليات تداول "بتكوين" مقابل الدولار- زوج التداول العالمي المهيمن - التي تحدث خلال ساعات العمل الأميركية ارتفعت إلى 57.3% مقابل 41.4% في 2021. كما تظهر بيانات شركة "فالكون إكس ريسيرش" (FalconX Research) أن نحو 50% من حجم التداول الفوري لـ"بتكوين" بات يتدفق عبر الصناديق المتداولة المُدرجة في البورصة الأميركية، وعددها 12 صندوقاً.

خطوة نحو التكامل
مع ارتفاع عدد عقود خيارات صندوق "آي بي آي تي"، يتقلص الفارق مع "ديريبت" (Deribit)، أكبر منصة خارجية للمشتقات، والتي لا يزال المتعاملون من مؤيدي العملات المشفرة الأصليين يفضلونها.

خلال الفترة الحالية، يتصرف كل من "آي بي آي تي" و"ديربيت" باعتبارهما سوقين منفصلتين. ومن الناحية النظرية، يوفر هذا الانفصال فرصة لمراجحة فروق الأسعار. مع ذلك، وفي ظل عمل الاثنين بنظم ضمان مختلفة، والقدرة المحدودة على نقل رأس المال، يصعُب تنفيذ صفقات ضخمة، بحسب لي شي، المدير الإداري لصانعة السوق "أوروس" (Auros) في هونغ كونغ.

وأضاف شي: "لا يوجد نظام موحد للضمان بعد. لكن العملات المستقرة قد تساعد في النهاية على سد الفجوة".

يُعد استحواذ "كوين بيس" على "ديريبت" في مايو مقابل 2.9 مليار دولار بمثابة خطوة نحو تكامل أكبر. وتعمل الشركتان حالياً على تحسين الربط بين منصتيهما، بحسب لوك سترايرز، الرئيس التنفيذي لـ"ديريبت".

وأضاف أن "هذا قد يشمل في النهاية تسهيل حركة الضمانات بشكل أكبر، ووضع أطر موحدة للمخاطر، أو تصفية المخاطر على مستوى المنصات حتى، وكلها خطوات يُحتمل أن تؤدي بطبيعتها إلى زيادة فرص التداول".

قيود تنظيمية
رغم تحسن الربط، لا تزال هناك قيود هيكلية، إذ تواجه سوق خيارات صندوق "آي بي آي تي" عقبة كبيرة، ففرض حد تنظيمي أقصى عند 250 ألف عقد- بهدف إدارة المخاطر- يقيد قدرة المؤسسات على استخدام استراتيجيات تداول منهجية على نطاق واسع.

وما لم ترفع لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية الحد الأقصى، فقد تتراجع منفعة "آي بي آي تي" في السوق المعتمدة على التقلبات، بينما يسعى مديرو الأصول إلى زيادة استراتيجيات التداول المنهجية.

وقد كشفت دراسة أجرتها شركة "سي بي أو إي غلوبال ماركتس" (Cboe Global Markets) - التي تمتلك بورصة شيكاغو لعقود الخيارات - في فبراير أن الحد الأقصى الحالي يقيد التعرض للمخاطر بجزء ضئيل مقارنةً بما يمكن التعرض له من خلال المنافسين مثل مؤشري "سي بي أو إي ميني بتكوين يو إس إي تي إف" (MBTX) و"سي بي أو إي بتكوين يو إس إي تي إف" (CBTX).

قدمت بورصة "ناسداك" مقترحاً لزيادة الحد الأقصى للمراكز الاستثمارية في "آي بي آي تي" عشرة أضعاف، وأمام لجنة الأوراق المالية والبورصات مهلة حتى سبتمبر لإصدار قرار في هذا الشأن. ويرى كثيرون في صدور قرار إيجابي نقطة تحول ستؤدي إلى تعزيز السيولة عبر السماح لصانعي السوق والمتعاملين بإدارة استثمارات أكبر.

وقال روبي ميتشنك، مدير الأصول الرقمية في "بلاك روك"، في مقابلة: "يُرجح أن نشهد زيادة غير بسيطة في حجم تداول عقود الخيارات عن المستويات الحالية بمجرد رفع هذه القيود".

رغم أنه يُحتمل أن القيود التنظيمية أبطأت زخم صندوق "آي بي آي تي" في سوق عقود الخيارات، فإنها لم توقف صعوده بصفته بوابة "وول ستريت" الرئيسية لدخول مجال العملات المشفرة، ما يعني أنه عندما تصل "بتكوين" إلى مرحلة النضوج، فإنها ستُدمج في نفس المنظومة المالية التي رفضتها سابقاً، وسيكون "آي بي آي تي" في قلب التحول.

قال دي باتول: "في نهاية المطاف، ستصبح كل الأصول رقمية. وما نصفه الآن بالعملات المشفرة سيصبح مجرد قطاع آخر من النظام المالي، يشهد التسعير، والتحوط، وإدارة المخاطر مثل كل الأصول الأخرى".

أقرأ أيضاَ

وسط مخاوف من تهديدات ترامب الجمركية.. ارتفاع في أسعار النفط

أقرأ أيضاَ

الذهب يتعافى من أدنى مستوى في شهر